لحماية الأدلة وكرامة العائلات.. تحذيرات سورية من استغلال وثائق ضحايا النظام السابق

لحماية الأدلة وكرامة العائلات.. تحذيرات سورية من استغلال وثائق ضحايا النظام السابق
سوريون يحملون صور ضحايا النظام السابق

حذّرت وزارة العدل السورية من استخدام بعض وسائل الإعلام والمنصات الرقمية صوراً ووثائق تتعلق بضحايا الانتهاكات خلال حقبة النظام السابق في عمليات ابتزاز أو في سياقات تجارية أو إعلامية لا تراعي القيم الإنسانية، مؤكدة أن هذا الاستخدام العشوائي يشكل انتهاكاً لكرامة الضحايا ويعرقل مسار العدالة الانتقالية.

وأوضحت الوزارة، في بيان رسمي، أوردته وكالة الأنباء السورية الجمعة، أن المواد المتداولة جمعت بطرق مختلفة لا تخضع لضوابط قانونية أو أخلاقية، وأن نشرها دون تدقيق أو احترام لحقوق أصحابها يعد مساساً مباشراً بمشاعر ذوي الضحايا وبالأدلة التي يجري العمل على توثيقها ضمن مسار وطني للعدالة الانتقالية، ودعت الوزارة جميع الجهات والأفراد الذين يمتلكون وثائق أو صوراً تتعلق بالضحايا إلى تسليمها للمؤسسات الرسمية المختصة، سواء وزارة العدل أو الهيئات الوطنية المعنية بالعدالة الانتقالية والبحث عن المفقودين، بهدف ضمها إلى الملفات قيد الدراسة وفق إجراءات تضمن حماية الأدلة وصون كرامة الضحايا وعدم العبث بالمعلومات.

ملاحقة المتورطين

وشددت وزارة العدل على أنها ستلاحق قانونياً كل من يثبت تورطه في إساءة استخدام هذه الوثائق أو المتاجرة بآلام الضحايا أو استغلالها لأغراض غير مشروعة، مؤكدة في الوقت ذاته رغبتها بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية التي تعمل بجدية لكشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات خلال العقود الماضية، وجددت الوزارة التزامها باحترام سيادة القانون وحماية الكرامة الإنسانية، والعمل على تأسيس منظومة عدالة انتقالية تقوم على المساءلة والإنصاف ومنع تكرار الانتهاكات.

ويأتي هذا التحذير في وقت تشهد فيه البلاد جهوداً متواصلة لتوثيق الانتهاكات الحقوقية الواسعة التي طالت عشرات الآلاف من المواطنين خلال السنوات السابقة، حيث تعمل الجهات المختصة على جمع الأدلة المتعلقة بالمفقودين وضحايا الاحتجاز غير القانوني، بما يضمن حفظ حقوقهم وفتح الطريق أمام مساءلة حقيقية.

مخاوف حقوقية

جاء بيان وزارة العدل بعد تزايد تداول صور ووثائق نُسبت إلى معتقلين قضوا تحت التعذيب في السجون خلال حقبة النظام السابق، وهو ما أثار مخاوف حقوقية من احتمال استغلال هذه المواد خارج سياقها القانوني، سواء عبر استخدامها في حملات تضليل أو ترويج إعلامي غير دقيق، أو في عمليات ابتزاز تستغل حاجة العائلات للمعلومات عن مصير أبنائها.

وتقول منظمات حقوقية إن تداول وثائق من هذا النوع خارج القنوات الرسمية قد يعرّض الأدلة للضياع أو التلاعب، كما قد يفاقم معاناة الأسر التي تبحث عن إجابات منذ سنوات طويلة، خاصة في ظل حساسية هذه الملفات وارتباطها مباشرة بجرائم جسيمة حدثت في مراكز الاحتجاز.

انتهاكات موثقة

في السياق ذاته، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين مؤخرا تحقيقاً واسعاً كشف عن توثيق مقتل أكثر من عشرة آلاف معتقل في سوريا، استناداً إلى آلاف الصور والوثائق الرسمية التي التقطها مصورون عسكريون لجثث محتجزين قضوا تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال بحسب التلفزيون السوري، وتحتوي قاعدة البيانات، التي امتدت دراستها على ثمانية أشهر، على أكثر من 134 ألف وثيقة رسمية مكتوبة تغطي فترة تمتد من منتصف التسعينيات حتى نهاية عام 2024، وتشمل تقارير ومراسلات داخلية للمخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة وأجهزة أمنية أخرى.

كما حصل فريق التحقيق على أكثر من سبعين ألف ملف وصورة إضافية، بينها ثلاثة وثلاثون ألف صورة عالية الدقة توثق مقتل أكثر من عشرة آلاف ومئتي معتقل بين عامي 2015 و2024، ما يضيف طبقة جديدة من الأدلة التي يرجح أن تكون ذات أهمية بالغة في ملفات المساءلة.

وخلال تحليل عينة من 540 صورة، وجد الصحفيون أن ثلاثة من كل أربعة ضحايا ظهرت عليهم علامات تجويع واضحة، بينما بينت الصور وجود آثار أذى جسدي على ثلثي الجثث تقريباً، كما ظهر أن نحو نصف الضحايا كانوا عراة وملقين على الأرض أو على صفائح معدنية، وهو ما يعكس مستوى الانتهاكات التي عانوا منها خلال فترة احتجازهم.

ووفق التحقيق، فإن كل صورة تمثل قصة لعائلة لا تزال تبحث عن الحقيقة في بلد تبدل نظامه السياسي، لكن بقيت طبقات الصمت التي تراكمت لعقود تحول دون كشف مصير كثير من المفقودين، وقد أجرى فريق التحقيق مقابلات مع سبع عائلات تمكنت من التأكد من وفاة أبنائها للمرة الأولى عبر البيانات المسربة، بينما تمت مشاركة قوائم أسماء الضحايا مع أربع منظمات محلية ودولية لعلها تساعد في كشف مصير آخرين.

وتؤكد المواد التي جرى تحليلها أن شبكة المراقبة والاعتقال التابعة للنظام السابق عملت وفق آليات مؤسسية دقيقة، وأن الأجهزة الأمنية تبادلت تقاريرها مع شركاء خارجيين، من بينهم دول حليفة ووكالات تابعة للأمم المتحدة كانت تعمل داخل سوريا، وتشير الوثائق إلى وجود أسماء محققين وضباط مرتبطين بالملفات، ما قد يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية مستقبلاً ضمن مسار العدالة الانتقالية.

وتأتي هذه التطورات تزامناً مع المرسوم الذي أصدره رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في أغسطس الماضي، والقاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وتختص الهيئة بكشف الحقيقة المتعلقة بانتهاكات النظام السابق ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات القضائية، إضافة إلى جبر الضرر وتعزيز المصالحة الوطنية وبناء نظام قانوني يمنع تكرار الجرائم.

ويرى مراقبون أن حماية الأدلة المتعلقة بجرائم الماضي تمثل إحدى أهم خطوات الانتقال السياسي في البلاد، وأن تنظيم عملية جمع وتوثيق المعلومات يعد شرطاً أساسياً لإنصاف الضحايا وتعزيز ثقة المجتمع بالمرحلة الجديدة، وفي ظل هذا السياق، يكتسب بيان وزارة العدل أهمية خاصة، باعتباره محاولة رسمية لضبط مسار التعامل مع الوثائق الحساسة وحماية الضحايا من أي استغلال قد يزيد من جراحهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية